U3F1ZWV6ZTQxNzYwODUzMjk2ODAxX0ZyZWUyNjM0NjM1NzM1NjYwMg==

الحدود والتخوم السياسية

مقدمة:

توضح خريطة العالم السياسية مجموعة من خطوط الحدود الفاصلة بين الدول المختلفة وتجري هذه الحدود على اليابس في شتى الاتجاهات مرتبطة أحيانا بظاهرات طبيعية كالجبال والأنهار والغابات والمستنقعات، ومتعارضة في أحيان أخرى مع هذه الظاهرات الطبيعية لكي تحدد ظاهرات بشرية مختلفة أو توضح مجهودات القوة العسكرية للدول في تخطيط حدودها، لكن الحدود في الواقع لا تنتهي عند ساحل البحر أو المحيط، فهناك حدود للدول تمتد فوق المسطحات المائية المختلفة تظهر على الخرائط السياسية العادية، كما لا تظهر مرسومة إلا حين تظهر مشكلة من مشاكل استغلال المسطحات المائية: الثروة السمكية أو المعدنية.

وقد ثارت كافة الحروب بين الدول من أجل تعديل الحدود على اليابس، ولم تقم حتى الآن حرب واحدة من أجل تعديل الحدود فوق المسطحات المائية، ولكن الحروب الاقتصادية بدأت بين بعض الدول مثل أيسلندا وبيرو ضد أساطيل الصيد البريطانية والأمريكية على التوالي، فهل تتحول الحرب الاقتصادية إلى حرب ساخنة في فترة لاحقة، خاصة حينما يشتمل الأمر على استغلال موارد الثروة المعدنية.

وفي الوقت الحاضر - في عصر حركة الطيران المتكاثفة - لم تعد الحدود مقتصرة على تلك الملامسة لليابسة وسطوح الماء، بل أصبحت حدود للدول ترتفع في الغلاف الغازي فوق رقعات الدول المختلفة، فإلى أي مدى ترتفع سيادة الدولة على أجوائها؟ وما هي المشكلات المترتبة على سيادات الدول على الغلاف الغازي؟ ويمكن ان تؤدي بدورها الي نزاعات وحروب؟

على هذا النحو يتضح لنا أن الحدود مشكلة معقدة لم تعد تمتد في بعد واحد مرتبط بالتنظيم الأرضي للدولة بل تعددت أبعاد الحدود إلی مسطحات الماء وأعماقها، وامتدت إلى أغوار الفضاء الذي يغلف کرتنا الأرضية.

مشكلة تعريف الحدود وأقاليم الحدود أو التخوم

آثارت مشكلة الحدود البرية - ولا زالت – كل المشكلات المتضمنة في جوهر العلاقات السياسية بین الدول، كما أنها راسخة في الأذهان كافة،المتخصصين وغير المتخصصين؛ لانها تمثل الإطار الذي تمارس فيه الدولة سيادتها الفعلية، ذلك لأن الحدود البرية للدول هي الأماكن أو النقاط التي تلتقي فيها الدول وتحتك فيها كتل الناس وتتفرق فيها المصالح الاقتصادية بتوجيه الدولة، ولهذا أثارت الحدود البرية مشكلات كثيرة خاصة بتعريفها: هل هي خط الحدود أم نطاق الحدود والتخوم؟

ارتباط الحدود الجديدة باستغلال مصادر الغاز الأرضي في القسم الجنوبي من بحر الشمال، وبالبترول والغاز الأرضي في الوسط، وبحقول البترول الممتازة في القسم النرويجى البريطاني في شمال البحر.

وقد كان فريدريك راتزل من أوائل الجغرافيين المحدثين الذين تناولو مشكلة تعريف الحدود، وفي کتابه الجغرافيا السياسية ١٨٩٥ ذكر راتزل عدة إيضاحات لهذه المشكلة، فهو يقول: إن نطاق الحدود هو الحقيقة الواقعة، أما خط الحدود فلیس سوى تجريد لهذا النطاق. لكن راتزل لم يغفل مقومات أخرى للحدود الجيدة، فإلى جائب ارتكاز الحدود على بعض الظاهرات الطبيعية يتكلم راتزل عن نوع السكان والموارد المتاحة والبناء السياسي داخل الدولة كمقومات للحدود الجيدة وقد كان راتزل يسوق نهضة ألمانيا السياسية وتغيير حدودها وتوسعها كمثال للحدود المتغيرة تعبيرا نظريته العضوية للدولة.

وقد ظهرت في الكتابات اللاحقة لراتزل نقاط ضعف في النظرية العضوية للدولة لكن من المدهش ان الكثير من مفهومات راتزل عن الحدود بقیت دون أن تهدم، ولعل ذلك راجع إلى أن راتزل حاول أن يؤسس قوانين خاصة لنمو وسلوك الحدود، ولا شك أن تعميم مثل هذه القوانين أمر خاطئ، فكل حد سياسي له ظروفه وخلفيته مما يجعله ظاهرة خاصة، ومع ذلك فإن قوانين راتزل عن الحدود يمكن أن تطبق على بعض الحدود بشيء كثير من الصحة.

ومن أمثلة قوانينه التي يمكن أن تطبق على کثير من الحدود قوله: إن القانون العام لنمو المكان« التاريخي هو أن حدود المنطقة الأكبر تنمو على حساب حدود المنطقة الأصغر، وكذلك قانونه القائل: إن تطور الحدود هو السعي إلى تبسيطها، وإن التبسيط هو السعي إلى تقصیر »أطوال« خط الحدود، فالخط المتعرج المتداخل طويل ضعيف، بينما الحد القصير أقوی في الدفاع والهجوم.

وقد أيد عدد من الكتاب أفكار راتزل في عدد من النقاط، وخاصة تلك التي تقصف بين نطاق الحدود وخطوط الحدود، وفی ذلك قالت ألين سمبل ۱۹۱۱ إن الطبيعة تكره خطوط الحدود والانتقالات الفجائية، بل إن كل القوي الطبيعية تتكاتف ضد مثل هذه الخطوط واذا حدث فاصل طبيعي لسبب من الأسباب فإن القوي الطبيعية تبدأ على الفور في إزالة هذا الخط بخلق أشكال انتقالية وبذلك تنشئ منطقة الحدود، وكذلك قال الكولونيل ت.ه.هولديك ١٩١٦ الطبيعة لا تعرف خط حدود، وحقا إن للطبيعة تخومها -~ نطاقات انتقال - لكنها تكره الخطوط، وخاصة الخطوط المستقيمة.

والى خبير الحدود المعروفة اللورد كرزون يرجع الفضل في التمييز بين الحدود الطبيعية« - وهي تلك المبنية على مظهر من المظاهر الطبيعية - وبین مجموعة التخوم الطبيعية، وهي تلك التي تدعيها الأمم حدودا طبيعية بدافع من الرغبة في التوسع أو تحت إلحاح عواطف قومية، ويقول لورد کرزون إن محاولة تحقیق مثل هذه التخوم الطبيعية كانت المسئولة عن الكثير من الحروب والمأسي في التاريخ.

وقد رأى المحامي الفرنسي ب. دي لابرادل ۱۹۲۸ أن الحدود والتخوم أمران مختلفان، فهو بذلك يتفق مع راتزل في أن الحدود لا يمكن فصلها عن إقليم الحدود أو التخوم، ويرى أن التخوم قائمة كامر واقع قبل تحدید الحدود، وأنها لها صفاتها الخاصة السياسية والاقتصادية والقانونية، فالتخوم عنده هي بيئة انتقالية.
ويقسمها إلى ثلاثة أقسام:

١-المنطقة الحدية territoire limitrophe وهي المنطقة التي يمر فيها خط الحدود

٢- نطاق الحدود Frontieres: وهي المنطقة التي تمتد على جانبي الحدود وتخضع كل منها لقوانين الدولة التي تنتمي إليها

۳- الجوار Le Voisinage:وهي المنطقة كلها التي تشتمل على القسمين السابقين.

أما الجغرافي الفرنسي ج. أنسل J. Ancel فيقول إن دراسة الحدود ومناطق الحدود ليست مثمرة قدر دراسة محتوى العلاقات الدولية، فهو يقول: ليس الإطار هو المهم بل المهم هو ما يحتوية، وكذلك يقول: لا توجد مشكلة حدود وتخوم، بل المشكلة هي مشكلة أم ۱۹۳۸، ويستند في ذلك إلى أمثلة من الشعوب البدائية مؤكدا على سبيل المثال - أن القبائل البادية ليس لها حدود، وأن السيادة على أرض ما مرتبطة بالمجتمع البدوي أكثر من ارتباط ذلك بالأرض نفسها، »لكن لا شك أن البدو يدعون ملكية أرض معينة.

ويقول أنسل إن هناك نوعين من الحدود: الحدود الثابتة والمتحركة ويعارض آراء راتزل التي تؤكد أن الحدود عضو من أعضاء الدولة بعکس قوة أو ضعف الدولة، ويؤكد أن الحدود عبارة عن خط توازن بين قوتين،لكن هذا الرأي في واقعه لا يختلف عن وصف راتزل للحدود، فهی خط يفصل بين العضوين الخارجيين لدولتين متجاورتين.

تعرض آخرون لتعريف الحدود والتخوم مثل س. ب. جونر ۱۹۳۲، مودي ۱۹٤٣، أ. فیشر۱۹٤۹ وغيرهم. وبرغم بعض الاختلافات فإن الاتفاق سائد بين الدارسين حتى الآن على التمييز بين الحدود التي تمثلها الخطوط الفاصلة بين سيادتين مختلفتين، وأقاليم الحدود أو التخوم أو الجوار التی تمثل نطاقًا انتقاليًا بين الدولتين المتجاورتين ويمكن تلخيص مجمل الآراء في تعريف الحدود بأن كل خط من خطوط الحدود هو في الواقع خلق متعمد عبارة عن خط تجريدي يفصل بين دولتين او جهازین عضويين -على حد تعبير راتزل - وبالتالي يعرب عن نبض كل من الدولتين.





تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة