دخلت الفكرة الحديثة للدولة في الاصطلاح السیاسي منذ القرن السادس عشر، وكانت تتعارض في ذلك الحين مع السيادة العالمية القديمة بمرماها الثلاثي: الامبراطوري الروماني بظهور سلطات مطلقة متمركزة ومحصورة ضمن حدود مساحية محددة، ومرتبطة بسكان معينين ومسيحي: حيث نــادات بالثورة ضد السيادة الامبراطورية والسيادة البابوية الدينية، والجرماني: ارتباطها بالمنازعات القائمة بين الملكية الفرنسية والملكية فی النمسا.
ومن يتضح ان محور الجغرافيا السياسية هو الدولة او الإقليم السياسي؛ وهو عبارة عن رقعة من الأرض موحدة ومنظمة سياسيا ومسكونة من قبل سكان أصليين، له حكومة وطنية ذات سيادة على جميع أطرافها ولديها القوة الكافية لحماية سيادتها.
ويمكن تقسيم الدول إلى فئات متميزة من حيث إمكانيتها من القوة
إلى عدة أنماط:
أولا: فئة الدولة القوية والقانعة:
وهي الدول التي تعتقد بوصوله إلى الحد الأنسب بالمقاييس التي تضعها لنفسها بين حجم إمكانيتها من القوة من جانب وبين مستوى النفوذ والتاثیر الذي وصلت إليه في المجتمع الدولي من جانب آخر، أي أنها لا تری وجود فجوة تفصل بين إمكانيات القوة المتاحة لديها، وبين الأهداف التي تتبناها في الواقع الدولي القائم مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وألمانيا، وهذا التناسب بین حجمي الإمكانيات والمقدرة الفعلية في التأثير الدولى هو الذي يخلق الشعور بالقناعة والحرص على استمرار الأوضاع القائمة دون تغير.
ثانيا: فئة الدولة القوية غير القانعة:
وهي عكس الفئة الأولى تشعر بفقدان التناسب بين إمكاناتها الذاتية من القوة القومية وبين حجم التأثير السياسي الفعلي الذي تمارسه في علاقاتها مع غيرها من الدول، وهنا توجد الفجوة التي تمثل الدافع إلى تغییر الواقع الدولي في الأتجاه الذي يحقق هذا التناسب على الصورة التي تتخيلها الدولة المعنية، ومن أمثلتها إسرائيل وإيران وروسيا وتركيا وفي إطار مجموعة المقاييس النسبية التي تستخدمها في عمليات التقويم والمقارنة، ويرجع هذا التفاوت في طبيعة المعايير المستخدمة في عمليات القياس والمقارنة. وهو يرتبط بعدة أمور منها:
1- إدراك الدولة أن هناك دولا أقل من حيث حجم إمكانات القوة ومع ذلك فإن مصالحها وتأثيرها السیاسى أكبر مما تسمح به امكانيتها.
۲- تطور إمكانات قوة الدولة من حجم محدود نسبيا إلى حجم اكبر ولم يصاحب ذلك تغيير في حجم تأثيرها السياسي الدولي.
٣- حدوث تطور في أهداف الدولة القوية وشعورها بان إمكاناتها من القوة تساعدها على تنفيذ هذا التغير يرصد أشكال المقاومة الدولية.
٤- الرغبة في إحداث التغيير استجابة لبعض النزعات القومية الضاغطة في اتجاه يتصادم مع مضمون الأمر القائم.
ثالثا فئة الدول الضعيفة والقانعة:
تشمل الدولة ذات الامكانات المحدودة من حيث القوة ولكنها تشعر بأن الحجم الحالي لتأثيرها السياسي الخارجي يتناسب مع هذة الامكانات ولا يمكن زيادته أبعد من حجمه الحالي دون أن تعرض نفسها لمخاطر تعود عليها بالضرر اكثر مما تعود عليها بالنفع مثل دول العالم العربي.
رابعا فئة الدولة الضعيفة وغير القانعة:
هي الدول التي رغم ضعف امكاناتها من عناصر القوة وادراكها لهذا الضعف مقارنا بالامكانات المتفوقة للدول الاخري فانها في حالة عدم القناعة او الرضا عن استمرار الأوضاع الدولية القائمة مثل كوريا الشمالية وبورما ويرجع ذلك الى شعورها بالظلم او الغبن الشديد الذي يقع عليها نتيجة استغلال الدول الاقوى منها لها لذلك فهی تكون في جانب التغییر على الرغم من أنها تفتقر إلى كل مقدرة على إجراء هذا التغيير.
إن الجغرافية السياسية تهتم بالتباينات المساحية للظاهرات السياسية، وتعطي اهتماما خاصا للمساحات التي تنتظم سياسيا في وحدات ذات حدود وتبحث في مقوماتها والعوامل التي ساعدت على قيامها، والهدف من وجودها ولعل أهم صفات التباین بين الدول والوحدات السياسية المختلفة التباين القائم على تقييم قوة الدولة ومكانتها السياسية وحينما تركز الجغرافية السياسية على دراسة الدولة فإنها تهتم أساسا بالطبيعة الجغرافية وسيادتها واستراتيجيتها القومية؛ كما عرفها جاكسون بأنها دراسة الظاهرات السياسية في إطارها المكاني سواء كان متضمنا تحليل الحدود السياسية والأنماط الجغرافية الناجمة عن تطبيق سلطة الحكومة ام مدى استقرار الوحدات السياسية الجديدة.
وهناك اتفاق عام على أن السلطة السياسية ظاهرة اجتماعية حديثة النشأة؛ إذ أنها ظهرت بعد ظهور المدنية، فقد خضع الإنسان في العصور البدائية لنظم قبلية تستند على صلات القرابة، وكانت العلاقة بين الجماعة ورئيسها علاقة قوية مبنية على الاحترام والتقدير والثقة والمصالح المشتركة والولاء الطوعي.
وظهرت الدولة مع زيادة حجم المجتمع وتعقد الحياة فيه، وقد تعددت الآراء حول أسباب نشأة الدولة؛ فهناك من قال أنها نشات نتيجة للحروب والنزاعات، وتغلب مجموعة على أخرى سيطر الغالب خلالها على المغلوب فتتكون بذلك الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة، ويستغل الحاكم المحكوم ونتيجة لهذا نشأ الصراع الذي اقترن بوجود سلطة عليا تقوم بالتنسيق والتجانس والتعاون بين الأفراد وبين الجماعات المختلفة، وهى السلطة السياسية التي تمارس الحكم والسيطرة نيابة عن المجتمع.

إرسال تعليق