اولا: تغيرات المناخ في عصر البلیستوسین
انفردت العـروض العليا في البلیستوسين بظاهرة تراكم الجليد بسبب البرودة القاسية، وزحف الجليد على مناطق واسعة من شمال القارات الثلاث أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية. وظل الجليد مستقرا طوال العام صيفاً وشتاءً.١- التوزيع الجغرافي للجلید
غطى الجلید مساحات كبيرة من شمال أوروبا، وأهم مراكزهشبه جزيرة اسكنديناوة وتميز بسمكه الكبير، وامتدت ألسنة منه تجاه الجنوب ليغطي معظم الجزر البريطانية والمناطق الشمالية من هولندا وبلجيكا وألمانيا وبولندا، وغطی مساحات كبيرة من شمال روسيا، وتركز في سيبيريا، وتميز بسمك أقل من الغطاء الجليدي في أوروبا، وفي أمريكا الشمالية تركز الجلید بثلاثة مناطق رئيسية، لبرادور في الشرق، والباتريش في الوسط، وکیواتين في الغرب، وغطی الجليد مناطق أخرى من قارات العالم المختلفة خاصة الجبال والهضاب المرتفعة مثل جبال البرانس والألب والبلقان بأوروبا، وجبال الروكي والأبلاش بأمريكــا الشــمالية، وهضبة بتاجونيا بأمريكا الجنوبية، وجبال أطلس وهضبة الحبشة وقمم جبال كينيا وكلمنجارو وألجن بأفريقيا، ومرتفعات بشرق استراليا.
وظلت مساحة الجليد التي غطت اليابس في البليستوسين غير معلومة، لكن بعض الباحثين توصلوا إلى بعض التقديرات المفترضة التي تعطي فكرة عامة عن اتساع الجليد في هذا العصر، وتفسر انخفاض منسوب سطح البحر بسبب تحول مياهه إلى جليد، والارتفاع الذي حدث لمنسوب سطح البحر بسبب ذوبان الجليد في الفترات بين الجليدية. وتعد أفضل التقديرات في هذا المجال هی تقديرات Penk. حيث ان خصائص الجليد الذي زادحجمه عن٥٧.٣٠٠.٠٠٠كم"، وغطى مساحة بلغت 49.400.000كم"، وتفوقت أمريكا الشمالية على أقاليم العالم من حيث مساحة الجليد، والقارة القطبية من حيث الحجم والسمك.
٢- أدوار الجلید
يعتقد بان عصر البليستوسين ظل يتساقط به الثلج باستمرار، لكنه كان متغيرا ببعض الفترات هبطت فيه درجات الحرارة مما أدي لتراكم الجليد، وسميت بالفترات الجليدية GlacialPeriods وتفصل بـین كل فترة جليدية وآخري فترة تحسن فيها المناخ وارتفعت درجة الحرارة ويطلق عليها الفترات الدفيئة أو غير الجليدية Interglacial Periods.
وأجريت أول الأبحاث والدراسات لآثار العصر الجليدي بجبال الألب باوربا والتي أدت إلى تقسيم العصر الجليدي إلى أربعة أدوار جليدية على يد کل من العالم الألماني بنك Penk وايبرت Ebert والنمساوي برکنر Brueckner. وأطلق عليها مسميات، وتم تحديد ثلاثة أدوار في شمال ألمانيا، وأربعة أدوار في أمريكا الشمالية.
ويمكن عرضها من الأقدم إلى الأحدث كالتالی:-
1-جبال الألب
الدور الأول جونز Guenz: والمعلومات عنه قليلة جدا لأن آثاره غير واضحة.
الدور الثاني مندل Mindo: وبلغت فترته الزمنية ستين ألف عام، وأنحصر فيما بين ٤٣٠.٠٠٠-٣٧٠.٠٠٠ قبل الميلاد ويفصل هذا الدور عن سابقه فترة دفيئة تسمي جونز مندل.
الدور الثالث ریس Riss: استغرق هذ الدور نصف الفترة الزملية لدور مندل أي ثلاثين ألف عام، وتنحصر بین ١٣٠.٠٠٠-١٠٠.٠٠٠ قبل الميلاد، ويفصل هذا الدور عن سابقه فترة دفينة تسمي مندل-ريس.
الدور الرابع فورم Wuerm: ويعد أقل الأدوار الجليد الأربعة عمرا، إذ استغرقت فترته الزمنية اثنان وعشرون ألفا فقط، وتنحصر بين ٤٠.٠٠٠-١٨.٠٠٠ قبل الميلاد، ويفصل هذا الدور عن سابقه فترة دفيئة تسمي ريس- فوړم.
٢-شمال ألمانيا
أمكن تمييز ثلاثة أدوار جليدية في شمال ألمانيا ومسمياتها من الأقدم إلى الأحدث كالتالى: الدور الأول: ألستر Elstre، والدور
الثاني saale سالي والدور الثالت فايسكل weichsel ولم تعرف الفترات الدفيئة الفاصلة بين تلك الفترات الجليدية.
۳-قارة أمريكا الشمالية
ظهرت أثـار لأربعة أدوار جليدية في شمال قارة أمريكا الشمالية تفصلها فترات دفيئة، وهي من الأقدم إلى الأحدث كالتالي: الدور الأول: نبراسـكا Nebraskan، والدور الثانی: كإنسان Kansan ويفصله عن الدور الأول فترة أفتونیا Aftonian الدفيئة، والـدور الثالث: إلينوي Illionia ويفصله عن الدور الثاني فترة ارموٹث Yarmouth الدفيئة، والدور الرابع: ويسكونسن Wisconsin ويفصله عن الدور الثالـث فترة سانجامون Sangamon الدفيئة.
ويقابـل دور فورم كان يمثل آخر أدوار الجليد في جبال الألب دور فايكسل في شمال ألمانيا ودور ويسكونسن في أمريكا الشمالية.
٣- الأحوال المناخية في البليستوسين في نطاق العروض العليا
اتفقت معظم الدراسات أن درجات الحرارة قد انخفضت بشكل كبير في عصر البليستوسين وذلك أثناء الأدوار الجليدية خاصة في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية، إذ قدر هذا الانخفاض بعشر درجات مئوية عما نحن عليه الآن. ویمكن إيجاز التغيرات المناخية في عصر البليستوسين كالتالی:-
أ- مال المناخ إلى البرودة التدريجية خلال دور جونز، وأدي لتراکم الجليد فوق جبال اسكنديناوة والألب ليحل الدور الجليدي الأول،وترتب عليه تكون نطاق ضغط جوي مرتفعة وهبت منه القطبية شديدة البرودة متجهة جنوبا على جزء كبير من قارة أوروبا.
ب- تراجع الجلید شمالا وتحسن المناخ تدريجيا لتحل فترة الدفئ الأولى جونز-منـدل أصبح معتدلا في معظم شمال أوروبا ويُعتقد أن الإنسان بلغ هذه المناطق وعاش على أطراف الجليد.
ج- مال المناخ إلى البرودة للمرة الثانية وغطى الجليد شمال أوروبا وامتد من اسكنديناوة غربا حتی بلغ شرق سيبيريا بقارة آسيا،وامتد الجليد تجاه الجنوب حتى دائرة العرض 40 درجة شمالا.
د- تقهقر الجليد شمالا لتحل فترة الدفء الثانية مندل-ريس،وأصبح المناخ معتدل بأوربا وأسيا واستمر قرابة ٢٥٠ألف سنة.
هـ- حل الدور الجليدي الثالث ريس لكنه كان أقل من جليد الدور الأول مندل ، وسادت الرياح الباردة، واستطاع الإنسان أن يعيش على أطراف الجليد في أوروبا لهذه الفترة. وبعد انتهاء دور ريس الجليدي تحسن مناخ أوروبا لتحل فترة الدفء الثالثة ريس-فورم وعاش الإنسان في نياندرتال صاحب الحضارة الموستيرية في العصر الحجري القديم الأوسط في أطراف الجليد، وسكن الكهوف وغطي جسمه بفراء الحيوان.

إرسال تعليق